مقالات

ظاهرة غلاء الأسعار في المساحات التجارية الكبرى

جريدة موطني

هنا نابل بقلم المعز غني

ظاهرة غلاء الأسعار في المساحات التجارية الكبرى

في مساءٍ أختلطت فيه ظلال المغيب بوميض مصابيح الطريق السيارة ، كنت أعود مُثقلاً بأفكاري من العاصمة تونس إلى مدينة نابل أين أقطن ، ألتقط ما تبقّى من صبرٍ في زحمة الأيام وضيق الحال.
توقّفتُ عند إستراحةٍ بدأ فيها كل شيء لامعًا ومرتبًا ، لكن خلف تلك الأناقة كان شيء ما يُثير في نفسي أنقباضا لم أستطع تفسيره أولًا.

دلفتُ إلى الداخل أبحث عن شيء يروي عطشي بعد عناء السفر وحرارة الطقس الشديدة ، فتقدّمتُ نحو البائعة وسألتها بهدوء:

«أختي، قارورة الماء الصغيرة بكم؟»

رفعت نظرها إليّ بإبتسامة مجاملة وقالت بثقة لا تعرف الارتباك: «بثلاثة دنانير.»
شعرت وكأنها ألقت عليّ صخرة ، فحاولت إستيعاب الرقم وسألتها لأتأكد من أنني سمعت جيدًا:
«الصغيرة وإلا الكبيرة؟»
ردّت بلهجة تُخفي إستهجانها لسؤالي:
«متاع خمسمائة مليم…!»
تساءلت في داخلي: أيُعقل أن يصل سعر قارورة ماء لا يتجاوز حجمها نصف لتر إلى ثلاثة دنانير ، وهي في الأصل لا تتعدى خمسمائة مليم في أي متجر عادي؟! ، هل صار حقّ الإنسان في جرعة ماء فرصةً للربح الفاحش تحت غطاء “الراحة” و”الخدمات”؟

هنا عند هذا الموقف البسيط ، تلخّصت مأساتنا في مساحاتنا التجارية الكبرى: غلاءٌ مستشرٍ يلتهم جيوب المواطنين ، إستغلالٌ فاحش وفجّ لحاجات الناس الأساسية ، وصمتٌ رسمي لا يرى في هذا الجشع خطيئة.

إن ظاهرة غلاء الأسعار في هذه الفضاءات أصبحت واقعًا يوميًا يثير الغضب والحسرة معًا.
فلا رقابة تُلجم جشع البعض ، ولا ضمير يُراعي ظروف المواطن الذي يكدّ ويتعب ليشتري أبسط ضرورياته دون أن يُذلّ في إستراحة على الطريق.

إنها ليست قضية ماء فقط ، بل قضية كرامة ، وقضية حق العيش في بلدٍ يحترم مواطنيه.
فلا معنى لكل شعارات التنمية إذا بقي المواطن أسير إحتكار الأسعار وغياب المحاسبة.

لكم حرية التعليق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى